مع امتداد إغلاق الحكومة الأميركية إلى مستوى قياسي متجاوزًا حاجز الـ 35 يومًا السابق، يُلقي الجمود السياسي في واشنطن بظلاله على أجندة الأصول الرقمية في البلاد، حتى مع مضاعفة الرئيس دونالد ترامب علنًا طموحه لجعل الولايات المتحدة رائدة عالمية في مجال العملات الرقمية.
أدى الجمود التمويلي المُطوّل، والذي تفاقم نتيجة الانتصارات الساحقة للديمقراطيين في انتخابات الثلاثاء التي جرت في عامٍ غير مُقررٍ إجراؤها، إلى تعطيل التقدم على جبهات تشريعية متعددة، بما في ذلك الإصلاحات المتعلقة بهيكل سوق العملات الرقمية التي طال انتظارها.
ووفقًا للعديد من المطلعين على السياسة، قد تُؤخر نتائج الانتخابات إبرام الصفقات أكثر، مما يُرجّح تأجيل أي إنجازات كبيرة في الكونغرس إلى عام 2026.
وفي هذا الصدد، علّقت الرئيسة التنفيذية لجمعية بلوكتشين، “سمر ميرسينجر”، قائلةً: “كلما طال أمد الإغلاق، تضاءلت فرص تمرير تشريع هيكل السوق عبر الكونغرس”، مشيرةً إلى أن العديد من خبراء الحكومة المسؤولين عن صياغة مشروع القانون قد سُرحوا من وظائفهم مؤقتًا.
ورغم هذا الجمود البيروقراطي، لا تزال إدارة ترامب تُظهر إصرارًا على التحرك بسرعة. فقد صرّح باتريك ويت، المدير التنفيذي لمجلس مستشاري الرئيس للأصول الرقمية، خلال مؤتمر “ريبل سويل”، أن ترامب لا يزال يتوقع رؤية مشروع قانون هيكل السوق النهائي على مكتبه بحلول نهاية عام 2025.
وقال ويت: “نواصل الضغط ونعقد اجتماعات منتظمة. أقضي معظم وقتي في مبنى الكابيتول هذه الأيام، حيث ألتقي بأعضاء مجلس الشيوخ من كلا الجانبين لإنجاز ذلك. أنا متفائل بأن مسار الأمور يسير في الاتجاه الصحيح”.
ومن المفارقات، أضاف ويت أن الإغلاق الحكومي أتاح لفريقه فرصة للتواصل مع المشرعين بشكل أعمق حول جوهر مشروع القانون، نظرًا لتباطؤ الأولويات التشريعية المتنافسة.
رسالة ترامب من ميامي: من الإغلاق الحكومي إلى قوة عظمى في عالم العملات الرقمية
بعد ساعات فقط من تلك التصريحات، صعد ترامب إلى منصة منتدى الأعمال الأميركي في ميامي، حيث وصف أجندة إدارته المتعلقة بالعملات الرقمية بأنها أساسية لاستعادة الريادة الاقتصادية الأميركية.
قال ترامب: “نحن هنا… لاحتضان صناعة حيوية هنا في ميامي”، واصفًا قطاع الأصول الرقمية بأنه رمز ومحرك للابتكار الأميركي.
وأضاف ترامب، مصوّرًا نفسه كمهندس لعكس مسار السياسة السابقة: “لقد وقّعتُ أيضًا أوامر تنفيذية تاريخية لإنهاء حرب الحكومة الفيدرالية على العملات الرقمية. كانت العملات الرقمية تحت الحصار، لكنها لم تعد كذلك بعد الآن”.
وربط ترامب منظومة الأصول الرقمية بالأهداف الاقتصادية والنقدية الأوسع، مشيرًا إلى أن العملات الرقمية “تُخفف الضغط عن الدولار كثيرًا” وتُعزز القوة المالية الأميركية.
كما قارن ترامب موقفه بشدة مع الإدارة السابقة، متهمًا فريق الرئيس بايدن بالعداء تجاه هذا القطاع، قائلاً: “كان بايدن شرسًا في التعامل مع العملات الرقمية. كانوا يلاحقون خبراءها. كان الأمر فظيعًا”.
تحركات سياسية دون تحرك سياسي
يستند خطاب ترامب المؤيد للعملات الرقمية في ميامي إلى بعض الإجراءات الملموسة، وإن كانت محدودة، من قِبل البيت الأبيض الحالي.
فقد شهد هذا العام إنشاء احتياطي استراتيجي للبيتكوين ومخزون أميركي من الأصول الرقمية، وكلاهما يتألف من عملات صودرت أو تم الاستحواذ عليها من قبل الحكومة الفيدرالية.
كما قدمت الإدارة إطار عمل خاصًا بالعملات المستقرة من خلال قانون “جينيوس” الذي وُقّع في يوليو، مع استمرارها في معارضة إصدار عملة رقمية للبنك المركزي الأميركي، مُصوّرةً موقفها بأنه “صديق للعملات الرقمية لكنه يُولي الدولار الأولوية”.
ومع ذلك، لا يزال المحرك التشريعي الذي يُفترض أن يدفع بإصلاح سوق العملات الرقمية إلى الأمام، عالقًا في تعقيدات واشنطن السياسية. حتى أقرب مستشاري ترامب يُقرّون بأن مشروع قانون هيكل السوق الشامل قد لا يُقرّ قبل عام 2026، رغم سعي البيت الأبيض إلى تحديد الموعد النهائي في عام 2025.
رؤية متوترة
تُجسّد رسالة ترامب المزدوجة مزيجًا من التفاؤل الحالم والإحباط السياسي، اللحظة المتناقضة في سياسة العملات الرقمية الأميركية. فمن ناحية، يُصوّر الرئيس البلاد على أنها “القوة العظمى للبيتكوين، وعاصمة العملات الرقمية في العالم”، محذرًا من منافسين مثل الصين الذين يتسابقون في هذا المجال.
ومن ناحية أخرى، يُهدد الإغلاق الحكومي والتوتر الحزبي بعرقلة الإطار التشريعي اللازم لتحقيق هذا الطموح. في الوقت الراهن، يقف مستقبل تنظيم العملات الرقمية في الولايات المتحدة بين رؤية تنفيذية واثقة وكونغرس مشلول، تذكيرًا بأن حتى أكثر الداعمين حماسة للعملات الرقمية في العالم، لا يزال عليهم مواجهة واقع السياسة في واشنطن.




